يواجه علي خامنئي خطر عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بجدية حيث يشعر المرشد الإيراني بالقلق من أن العاصفة الناتجة عن عودة ترامب قد تدمر الهيكل القديم والمليء بالشقوق للنظام الإيراني، ما يؤدي إلى سقوطه.

ويدرك خامنئي تمامًا أن إسرائيل تسعى لإقناع ترامب بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية. كما يعلم أن علاقات إيران مع أوروبا في واحدة من أسوأ حالاتها على الإطلاق.

من جهة أخرى، الأزمات الداخلية مثل نقص الغاز، وانقطاع الكهرباء، وارتفاع سعر الدولار، تؤدي إلى تصعيد الإضرابات والاحتجاجات، ما يجعل خامنئي يواجه تحديًا كبيرًا في ظل تزايد استياء الشعب من الأوضاع الراهنة. ويعلق بعض الناس آمالهم على عودة ترامب وتعاونه مع بنيامين نتنياهو للإطاحة بنظام طهران.

السؤال المطروح الآن هو: ما استراتيجية خامنئي للتعامل مع هذه الظروف؟ إذا كان هدفه الأساسي هو الحفاظ على النظام ومنع سقوطه، فمن الطبيعي أن يسعى لتجنب العاصفة الناتجة عن عودة ترامب. ومع ذلك، فإنه لا يزال غير راغب في التراجع عن سياساته الكبرى ومبادئه الأيديولوجية. وتشمل هذه السياسات معاداة الولايات المتحدة وإسرائيل، والبرامج النووية والصاروخية، ودعم الجماعات الوكيلة في المنطقة.

مع كل ذلك، إذا تعرض وجود النظام للخطر، فقد يلجأ خامنئي إلى تقديم تنازلات تكتيكية وتراجع محدود عن هذه البرامج لمحاولة تجاوز عاصفة ترامب. في الواقع، يظهر سلوك النظام الإيراني على مدار 46 عامًا الماضية أنه دائمًا ما يعتمد على استراتيجية التكيف مع الأزمات. فالمرشد خامنئي يعتقد أنه إذا تمكن النظام من تجاوز هذه الأزمة، فقد تتغير المعادلات لصالحه.

وللمضي قدمًا في هذه السياسة، يتبع خامنئي نهجين متناقضين ظاهريًا في الوقت نفسه. من ناحية، يظهر استعدادًا للتفاوض مع الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى يهدد بأنه إذا تصاعدت الضغوط، فقد تنسحب إيران من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) وتتجه نحو تصنيع قنبلة نووية.

هذه التيارات المتناقضة يتم تمثيلها من قبل أفراد تحت إمرة خامنئي. على سبيل المثال، شخصيات مثل محمد جواد ظريف تتحدث عن استعدادها للتفاوض، في حين أن أشخاصًا مثل علي شمخاني يتحدثون عن زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم أو الخروج من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT). في النهاية، إدارة هذه التيارات تعود إلى مكتب المرشد.

وفي أحدث الإشارات على استعداد إيران للتفاوض، أعلن علي عبد العلي زاده، رئيس حملة مسعود بزشكيان الانتخابية، أن "النظام" قد توصل إلى أن يتفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة.

وجدير بالذكر أن مصطلح "النظام" في الخطاب السياسي لنظام طهران يشير إلى خامنئي.

وفي وقت متزامن مع هذه التصريحات، زار وزير الخارجية العماني طهران والتقى بمسعود بزشكيان. وقد لعبت مسقط سابقًا دور الوسيط في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وهذه التحركات تعزز احتمالية بدء مفاوضات جديدة.

من جهة أخرى، يستخدم خامنئي شخصيات مثل كمال خرازي، وعباس عراقجي، وعلي أكبر صالحي وآخرين لإرسال رسائل تهديدية إلى الغرب. وهؤلاء الأشخاص يتحدثون صراحة عن احتمال خروج إيران من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) أو حتى الاتجاه نحو صنع قنبلة نووية.

وتأمل طهران أن تخلق هذه الرسائل، بالتزامن مع إعلان استعدادها للتفاوض، نوعًا من الارتباك في حسابات الأطراف الغربية.

وفي النهاية، يسعى خامنئي إلى الحفاظ على موقفه العدائي، ويود أن ينسب مسؤولية أي مفاوضات محتملة إلى الحكومة أو المسؤولين الآخرين. فهو لا يريد أن يتحمل المسؤولية المباشرة عن هذه المفاوضات، كما فعل في الاتفاق النووي حيث حاول نسبة النجاحات لنفسه وتحميل الفشل للآخرين.

ربما لهذا السبب في هذه الظروف الحساسة والمحفوفة بالمخاطر، قرر خامنئي خلافًا للأعراف السابقة للنظام الإيراني، أن لا يُسلم الملف النووي إلى وزارة الخارجية أو إلى مجلس الأمن القومي، بل يفضل أن يتولى الملف بشكل مباشر ويُسند المسؤولية إلى علي شمخاني، مستشاره السياسي.

مزيد من الأخبار